من الصدمات العنيفة التي واجهتني في مقتبل حياتي، عندما قرأت ديوان شعر بذيء للشاعر الراحل نجيب سرور، كانت عيناي تجري كالمجنونتين بين الكلمات، تقرأ كلمة وتمر على كلمة، لا تصدق ما تقرأه تارة، ولا تعي معنى بعضه تارة أخرى، ليس بسبب صعوبة معانيه، ولكن من هول ما تقرأ، كان الديوان يقدح في مصر، أبدع سرور في نظم أبياته، ولكنه استخدم فيه مفردات أقل ما توصف به إنها تخدش الحياء، فقد عاش الشاعر فترة زمنية مؤلمة، جعلته ينعت بلده بأبشع الكلمات، وحول فترة زمنية من حكم مصر إلى ملحمة شعرية بذيئة، يحفظها كثير من الناس، بالرغم من عدم طبع الديوان وتداوله، في وقت لم يكن هناك وسائل اتصالات حديثة.
ومع مرور الوقت بدأت ألاحظ أن أمة التوحيد، التي أوصاها رسولها الكريم بأن الكلمة الطيبة صدقة، تحب الكلمات البذيئة، تحب الشتيمة!! فعندما كنت أتابع مباريات كرة القدم سواء من الملعب أو من التليفزيون كانت الشتيمة هي العامل المشترك الأكبر بين الجماهير، فكل الجمهور يبدأ المباراة بشتم الفريق المنافس ونجومه، ومع مرور الوقت يشتم الحكم، وفي نهاية المباراة يشتم لاعبي فريقه -إذا خسروا- ومدربيه، وأثناء خروجه من المدرجات قد يشتم جمهور الفريق الواحد بعضه بعضا!!
ورغم مقولة سيبويه الشهيرة: كل شيء ولا شتيمة حر، فإنك تجد الشباب الآن -وبعض الكبار أيضا- يشتمون بعضهم البعض بأغلظ الألفاظ وأبذئها، وتدلل قبح تلك الشتيمة على مدى الصداقة بين الشابين، فإذا قال له شتيمة بسيطة مثل ياحمار أو ياكلب فاعلم أن العلاقة بينهما ليست بقوية، أما إذا شتمه بالأب أو الأم فقد توطدت العلاقة بينهما وقويت، ودللا لمن سمعهما بأنهما صديقان “أنتيم”!!
وعلى نفس السياق، تجد وسائل الإعلام بدأت هي الأخرى تقل أدبها، ولم لا وهي مرآة المجتمع، فتجد مفكرين أو أديبين أو سياسيين يتحاوران في برنامج حول قضية ما، وما يلبثان أن يختلفا في الرأي حتى يتشاتما ويتشاجرا، كما أصبح من الطبيعي أن تسمع في مسلسل أو فيلم عربي ألفاظا خارجة وشتائم من أبطاله، ويقولون لك إذا انتقدتهم إن حذف هذه الكلمات يخل بالعمل الدرامي، وكأن أي عمل درامي لا ينجح إلا إذا شتم البطل فيه باقي الممثلين!!
الحقيقة أن انتشار الشتيمة في مجتمعاتنا العربية المحافظة، ما هو إلا مؤشر سلبي على تدني الأخلاق فيه، رغم أن ديننا الحنيف هو دين الأخلاق والفضيلة، كما أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أوضح أن من أهم مقاصد رسالته إتمام محاسن الأخلاق فيقول: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.
وعجبي..