مقالات اجتماعية

شبح الفساد!

رغم التقدم الإداري الملحوظ الذي نشهده نحن العرب في إدارة المؤسسات والشركات غير الحكومية والخاصة، والتى يتحلل القائمون عليها من البيروقراطية والنظم الحكومية البالية، والتي لا تخلو من فساد، وإهدار للمال العام، من منطلق المثل الساذج: “المال السايب يعلم السرقة”، فإنني أتصور أن يكون مستوى إدارة مثل هذه المؤسسات والشركات أفضل بكثير من الطريقة التي تدار بها الآن.

فما لا أتصوره أن يكتشف مسؤول عمليات سرقة واختلاس، أو فساد، أو تعسف فى استخدام السلطات، ولا يحارب مثل هذه المعوقات ولا يضرب عليها بيد من حديد، بل والأكثر من ذلك أن نجد بعض هؤلاء المسؤولين يتخذون مواقف سلبية مع الذين يحاولون الوقوف في وجه الفساد والفاسدين، مع العلم أن معظم مديري هذه الشركات والمؤسسات إما أصحاب رأس المال، أو شركاء فيه، أو لهم روابط عائلية أو مصالح بشكل أو بآخر.

حكى لي صديق أن صديقا له كان يعمل في إحدى الشركات، اكتشف أن مديره المباشر يقوم بسرقات كبيرة، ولكنه وبمعاونة مجموعة من موظفين آخرين، نفذوا سرقاتهم بذكاء شديد، مكنهم من المحافظة على سريتها منذ وقت طويل على ما يبدو، وبعد تفكير طويل قرر الرجل استجماع شجاعته وإبلاغ صاحب الشركة بما توصل إليه.

السيناريو المنطقي الذي توقعته لباقى القصة أن يفتح صاحب الشركة بوصفه صاحب رأس المال، والمدير المسؤول، تحقيقا موسعا في الموضوع، وفور ظهور نتائج التحقيق، لن أقول: يجب تحويل كل من كان له يد في هذا الفساد إلى النيابة العامة، ولكن على أقل تقدير يتم فصل وطرد كل من باع ضميره وتورط في هذا الفساد، لتطهير الشركة من هؤلاء الفاسدين، وليكونوا عبرة لمن يعتبر، هذا ما تصورته قبل أن أستمع لباقى القصة، إلا أن ما أصابني بالذهول وفوجئت به هو رد فعل صاحب الشركة، فقد تم عمل تحقيق مشبوه تم بعده فصل الموظف الذى أبلغ عن السرقات!!

والحقيقة أن هذه القصة تكررت كثيرا في أماكن أخري بأشكال متعددة وشخوص مختلفة، إلا أن ما أريد الوصول إليه ليس سرد القصص في حد ذاته، وإنما هو السلبية في التعامل مع ملفات الفساد، فالفساد هو الشبح المدمر لكل أشكال التنمية والتقدم، فمهما حاول كل شخص منا أن يبدأ بنفسه، ويتقن عمله ويطوره، ويكون شبكة علاقات طيبة مع زملاء العمل لخلق جو من التنافس الشريف الذى يزيد الإنتاجية ويطور الأداء، ومهما بذل المسؤولون من مجهودات في تطبيق أحدث نظريات الإدارة الحديثة في العمل، لن يثمر ذلك النتائج المرجوة إلا بضرب الفساد والفاسدين بالضربة القاضية.

إن السلبية أو اللامبالاة التى يتعامل بها بعض المسؤولين مع أشكال الفساد هى جريمة ليست في حق أنفسهم وشركاتهم فحسب، ولكن هى جريمة في حق كل المنظومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للوطن بأكمله.

يجب أن تكون قضية محاربة الفساد قضية كل فرد منا، رؤساء ومرؤوسين، إذا أردنا لهذه الأمة مكانا بين الأمم.

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Most Voted
Newest Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x