فى جلسة مع بعض الأصدقاء القدامي، تشعب بنا الحديث، ودار عن الفرق بين الإنسان والحيوان، وللوهلة الاولى تبدو اجابة السؤال بسيطة، إلا ان فلسفة البعض جعلت الإجابة أكثر تعقيدا!
وبعيدا عن الأمانة التى حملها الإنسان، وسيحاسب عنها يوم القيامة دون سائر الكائنات الأخرى، فان الفروق الأخرى لا تكاد تكون في صالح الإنسان الذى نراه اليوم، وليس الإنسان الذى خلقه الله ليعبده ويعمر الأرض التى أستخلفه فيها.
فإذا كان الإنسان يأكل ويشرب، فالحيوان يأكل ويشرب أيضا، وإذا كان الإنسان ينام ويصحو، فالحيوان ينام ويصحو، والإنسان يتزوج وينجب والحيوان أيضا، والإنسان يتعب ويشقى في هذه الحياة ليوفر طعاما ومسكنا له ولأهله، والحيوان أيضا يفعل نفس الشئ، وإذا كان قليل من الناس يعبدون الله ويشكرونه، فكل الحيوانات تعبد خالقها وتسبح له.
وإذا كنا نتهم بعض الحيوانات بالتصرفات الوحشية، فانظر حولك وراقب الناس، أو تصفح صفحات الحوادث والجرائم بكافة أنواعها، لتكتشف بسهولة ان الإنسان أحدث تطورا تكنولوجيا رهيبا في طرق وأساليب ممارسة الجريمة الوحشية! وإذا كنا نتهم الحيوانات باستخدام المكر في الحصول على طعامها وشرابها، فالإنسان أيضا يستخدم مكره في أكثر من ذلك، مع الفرق ان مكر الحيوان لا يخرج خارج إطار الشرعية القانونية، أما مكر الإنسان فيتخطى ذلك بكثير، وإذا كنا نتهم بعض الحيوانات بعدم الإحساس والشعور، فكثير من بني البشر تبلدت احاسيسهم، وتجمدت مشاعرهم، حتى تجردوا من أهم ما يميزهم عن باقى الكائنات الأخرى، والتى سميت باسمهم، وهى الأحاسيس والمشاعر الإنسانية!
وإذا كان الانسان لا يستطيع ان يعيش إلا في جماعات بنظام اجتماعي معين، فإن الحيوانات أيضا لا تستطيع أن تعيش إلا في نظام اجتماعي صارم القوانين ومنظم بشكل أفضل من ذلك المجتمع الإنساني، فالإنسان غالبا ما يتمرد على النظم الاجتماعية التى يضعها هو لنفسه، أما الحيوان فإنه نادرا ما يفعل ذلك، وإذا ما حدث ذلك فإن القوانين المنظمة تعطي الحق للقائد بأن يطرد هذا العضو المتمرد من داخل الجماعة، حتى لا يفسد حياة باقي الأفراد، وكذلك يعطى هذا القانون “الحيواني!” الفرصة الكاملة لجميع أفراد الجماعة للقيام بدور القيادة، كل ما على العضو الذى لا يعجبه النظام الإداري المعمول به، أن يتقدم للاختبار ومنافسة القائد الحالى، فإذا أثبت جدارته أمام القائد على مشهد من أفراد الجماعة، ولّوه مباشرة زمام القيادة، وإذا ما فشل في إثبات نفسه، انسحب في هدوء، وترك القائد الفائز ليواصل مسيرته، فهل هذا يتم في عالم الإنسان؟!!
أحد الأصدقاء الخبثاء، عندما طال الحديث والجدل، ودخل نفقا مظلما، قال: عندى اختلاف جوهري بين الإنسان والحيوان، نظرنا جميعا في تشوق لمعرفة الفرق وإنهاء الأزمة، فقال: الإنسان فيه “نونان” اثنتان والحيوان فيه نون واحدة!
فاقتنعنا جميعا، وأنهينا المناقشة!