مقالات اجتماعية

البؤس والمتبائسون!

كثير من الناس شكاؤون أم كما نسميهم “شكايين” يحبون الشكوى من كل شيء، ويعلنون عدم رضاهم عن حياتهم بكل تفاصيلها؛ الزوجة “أو الزوج” والأولاد، الراتب والعمل، الشقة والسيارة، الأصدقاء والزملاء والجيران، كل شيء يشتكون منه، وإذا قرأنا ما بداخل هؤلاء الناس، فستجد منهم المحق في شكواه، وستجد منهم من يهول في مشاكله لكسب مزيد من عطف الناس، وستجد القسم الأخير من يشتكي لمجرد الشكوى، فهؤلاء الأشخاص غير راضين عما كتبه الله لهم، يبحثون عن أي شيء يشتكون منه، نعم الله عليهم كثيرة، لكنهم لا يرونها ولا يشعرون بها، هم يرون فقط النصف الفارغ من الكوب.

في إحدى أجازاتي منذ عشر سنوات، تقابلت مع صديق قديم في إحدى المؤسسات الصحفية، قابلني صديقي بسيل من الشكاوى المتلاحقة، بدءا من ضيق ذات اليد الشديد، الى ظروف المعيشة الصعبة، ومرورا بكل تفاصيل حياته، وأثناء حديثه سمعت صوت هاتف، فإذا به يخرج موبايلا من جيبه، في وقت لم يكن يحمل الموبايل إلا طبقة معينة ميسورة الحال من الناس! تعجبت، وبعد انتهاء المقابلة خرجنا سويا فإذا به يعرض أن يوصلني بسيارته الجديدة إلى المكان الذي أريده!! فتعجبت أكثر.

أيضا، تعرفت على زميل عمل في الدوحة، كان هذا الزميل يعمل في وظيفة جيدة ويتقاضى راتبا مناسبا جدا، بالإضافة لبعض الأعمال الإضافية الأخرى، إلا انه كان دائما ما يشتكي من قلة الراتب وزيادة مصروفات البيت والأولاد، ويشتكي من ضغط زوجته وأولاده عليه ليتركوا الدوحة ويعودوا إلى بلدهم، لينعموا فيها بعيدا عن الضغط العصبي ومعسكر العمل الذي يعيشونه، وبعد فشل جميع الزملاء في إثنائه عن قراره، قرر النزول نهائيا إلى بلده.

أما صديقي الأول؛ فنزل مرة ليركب سيارته الجديدة بعد انتهاء يوم عمل فلم يجدها، سرق اللصوص السيارة كاملة! وعبثا، حاول استرجاعها بشتى الطرق والحيل فلم يستطع، إلا أن المحزن حقا انه لم يكن قد سدد من أقساطها الأربعة والعشرين إلا ثلاثة أقساط فقط. وأما زميلي الآخر؛ بعد عودته لبلاده تدهورت الأمور هناك ولم يجد عملا مناسبا له، فحاول الرجوع للدوحة مرة أخرى فلم يوفق، فسافر بلدا خليجيا آخر ولم يوفق أيضا، فعاد ثانية إلى بلده، ثم انقطعت إخباره عنى بعد ذلك.

لا شك ان كثرة شكوى هؤلاء الناس دلالة على عدم رضاهم بالقدر، وعدم استشعار النعم التى أنعمها الله علينا، فقوله تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدث) خير نصيحة لهؤلاء الشكائين حتى تدوم عليهم النعمة، “والله تعالى إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن يرى أثر هذه النعمة عليه، ويكره البؤس والتباؤس” كما أخبرنا بذلك رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، أما الشاعر فيقول:

رب يوم بكيت منه فلما       صرت في غيره بكيت عليه

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Most Voted
Newest Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x