مقالات اجتماعية

الحقيقة الأخرى!

إذا سألت شخصا عن سبب تصرف شرير فعله، أو كلمة غير طيبة كدر بها أحدا، ستجد لديه من المبررات ما جعل نفسه تصنف هذا التصرف على انه فعل خير، أو على أقل تقدير فعل عادي!

والحقيقة ان الله خلقنا مختلفين في كل شيء، في شكلنا ولوننا، وفي طباعنا وتصرفاتنا، وفي نظرتنا وتقديرنا للأمور، ففهم الناس للأمور وتقديرهم لها هو سبب اختلافهم، فإذا كان خالق الكون موجودا بذاته ودلائله، ومع ذلك فالناس على مدى الزمان مختلفون على ألوهيته، فما بالنا بتقدير وتصنيف الأمور والتصرفات، فالفعل الذي يمكن أن أفعله أنا على أنه خير، قد يفسره شخص آخر على أنه فعل شر، سواء كان ذلك بسبب سوء تقدير مني في تقديم هذا الفعل، أو بسبب سوء تقدير من المتلقي في فهم هذا الفعل.

فعندما تسأل بخيلا عن سبب عدم تصدقه، سيكون تبريره هو عدم وجود مساكين، أو عدم استطاعته الوصول إليهم، أو أي مبرر آخر من هذا القبيل، المهم ان لديه الحجة المبررة لهذا الفعل، وإذا سألت السارق لماذا يسرق، سيبرر ذلك بأنه لا يستطيع سد احتياجاته الضرورية للعيش، أو لتحقيق العدل والمساواة بينه وبين الأغنياء، وإذا سألت زوجا عن سبب خيانته لزوجه، سيبرر ذلك باحتياجه النفسي أو الجسدي.

وبعض الأشخاص يستغلون نفوذهم ومناصبهم ويظلمون الناس وهم لا يشعرون، يتصورون أنهم يفعلون الخير والحقيقة هى عكس ذلك تماما، على سبيل المثال لى صديق يعمل مديرا لإحدى الشركات، حيث يرأس مجموعة كبيرة من الموظفين، تعرفت على رأي مجموعة منهم فيه، كل واحد منهم قال لي بشكل منفرد ان مديره ظلمه في مسألة ما، تختلف عن غيرها، وتكون لدي انطباع عام بان هذا الصديق مدير ظالم بالفعل، فاقتنصت فرصة الالتقاء بهذا المدير ذات مرة، وناقشته في مشاكل العمل بصفة عامة، وتعرفت على رأيه في بعض المشكلات – التي اشتكى منها موظفوه بالتحديد – بشكل غير مباشر، وكانت النتيجة التي خرجت بها بعد هذا اللقاء، ان المدير يشتكي هو أيضا من سوء تصرفات وأخلاق موظفيه، وكثرة طلباتهم التي لا تتناسب وكفاءتهم المهنية وما يبذلونه من مجهود في العمل.

ووجدت نفسي حائرا بين تصديق الموظفين وما يؤكدونه، وتأكيد المدير وما يرويه، إلا إن الأيام أثبتت لي عيانا صدق روايات الموظفين، وهذا هو الشاهد في الموضوع، فحين واجهت هذا المدير ببعض القرارات المتعسفة والظالمة التي يشتكي منها موظفوه، وجدت لديه من المبررات ما يجعله يعتقد أن ما يفعله هو الصواب بعينه!!

في حياة كل منا حقائق ثابتة لكل أمر بذاته، نراها ونعيها ولا نشك أبدا فيها، إلا أن هناك أيضا حقائق مقابلة لنفس هذا الأمر لا نراها ولا نعرف عنها شيئا، إلا إذا ذهبنا ونظرنا إليها من الجانب الآخر، لذلك من الفطنة ألا نتشبث بآرائنا وأفكارنا، وفي رأيي أن قول شيخ الإسلام الإمام الشافعي رحمه الله هو النبراس الحقيقي لمعرفة الشعرة الفاصلة بين الخير والشر، حيث قال: رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيري خطأ يحتمل الصواب.

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Most Voted
Newest Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x