من منا يكره فعل الخير؟ بكل تأكيد لا أحد، ذلك لأن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان على حب الخير بالفطرة، فإما أن يستمر على هذا، وإما أن تتدخل عوامل خارجية محيطة به فتؤثر عليه وعلى فطرة الخير المخلوقة في قلبه، فيبدأ في التحول التدريجي إلى الشر، لذلك تكون للبيئة المحيطة بالإنسان منذ تنشئته، من أهل وأصدقاء وزملاء وجيران، تأثيرات مباشرة على الفرد إما سلبية وإما إيجابية، وحتى هذه التأثيرات تجد المقاومة والنزعة الداخلية لعامل الجينات الموروثة المكونة لطبيعة الإنسان الخيرة بالأساس، لكن يبقى هناك شيء آخر لا يقل أهمية عن هذه العوامل النظرية، ألا وهو الخوف من فعل الخير!!
ولا عجب، فالعديد من الناس الآن يخافون فعل الخير لأسباب متعددة، وذلك حسب الظرف الذي مر به هذا الشخص، فبعض الناس فعل خيرا ولكن هذا الخير رد لهم شرا، أو انقلب عليهم ظلما وتكذيبا، أو ما جنوا منه إلا “وجع الراس”، حتى أصبح فعل الخير في هذا الزمن شيئا مخيفا الكل ينفر منه!
والقصة الشهيرة التي يعرفها الجميع خير دليل على هذا، ذلك أن رجلا كان يقود سيارته في وقت متأخر من الليل، وفجأة صدمت السيارة التي كانت تسير أمامه طفلا كان يقطع الطريق، وفرت السيارة بسرعة جنونية، ومن هول المفاجأة لم يستطع الرجل التقاط أي رقم من السيارة الهاربة، فما كان منه إلا أن نزل من سيارته وأخذ الطفل وأسرع به إلى أقرب مستشفى لإنقاذه من الموت، وما كاد أن يصل لقسم الطوارئ ويسلم الطفل هناك، إلا وتم توقيفه بتهمة صدم الطفل، وجاهدا وبكافة السبل حاول الرجل الشجاع إفهام الناس الحقيقة لكن أحدا لم يصدقه!!
هذه القصة المتداولة بين الناس بأشكال متعددة، ما هي إلا تجسيد للواقع المرير الذي نعيشه الآن، فعدد غير قليل من الناس أصبحوا يخافون من الإقدام على فعل خير من هذا القبيل، حتى لا يعود عليهم بشر، حتى أنك لتسمع أن مثل هذا الرجل قد شاهد الطفل يغرق في دمائه ويتركه دون مساعدة خوفا من إلصاق التهمة به!
وإذا ما نظرنا للأمر بنظرة موضوعية، قد تجد بعض المبررات لهذا التصرف اللا أخلاقي، فمن يستطيع التنبؤ بظهور الحقيقة ببراءة هذا الرجل الشجاع الذي أنقذ الطفل إذا لم يظهر شخص ليبرئه، أو يظهر دليل لإدانة السائق الهارب، وهي احتمالات بالطبع ضعيفة، ناهيك عن الأضرار البالغة التي ستلحق به حتى يثبت براءته، هل تستطيع أنت شخصيا أن تكون هذا الرجل الشجاع وتتحمل تبعات هذه الشجاعة؟
للأسف، فإن بعض قوانين المجتمع الصماء، وسوء تصرف بعض الناس مع من يفعل الخير، قد تؤدي لتلاشي فعل الخير شيئا فشيئا وقديما قالوا تهكما:” خيرا تفعل، شرا تلقى “، فهل سنصل في يوم من الأيام لهذا الحد؟