مقالات اجتماعية

تزييف الرأي العام!

تظهر في كل المجتمعات بين حين وآخر قضايا تهم عددا كبيرا من أفراد هذا المجتمع، وتتجه آراء الناس نحو القضية المثارة، وتبدأ في طرح الآراء لمعالجة هذه القضية بعد حوارات ونقاشات، سرعان ما تنحسر هذه الآراء لتشكل رأيا واحدا يمثل غالبية آراء هذا المجتمع، هذا النقاش المجتمعي يعرف عند رجال الإعلام بما يسمي “الرأي العام”.

ولكي يكون الرأي العام حقيقيا ومعبرا عن رأي الأغلبية، لابد أن يكون حالة منظمة تستند إلى أسس وضوابط، كما يجب أن يكون نتاج تفاعل طبيعي حر، يشارك فيه معظم طوائف المجتمع المختلفة، وهنا فقط يصبح الرأي العام مرآة تعكس ثقافة المجتمع، وحارسا على أخلاقياته وقيمه ومثله، وسيرفض هذا الإجماع – بكل تأكيد- أي تصرف غير أخلاقي أو انتهاك لقيم إنسانية تصدر من أي فرد من أفراد المجتمع.

إلا أن هناك بعض الإشكاليات التي تؤثر على تشكيل الرأي العام، وتخرجه عن مساره الحقيقي، وتؤثر سلبا على مصداقيته، فيصبح رأيا وهميا مزيفا لا يعبر في حقيقته عن واقع المجتمع، وإنما يعبر عن آراء طائفة أو مجموعة محدودة منه، لا تمثل المجتمع ككل.

من هذه الإشكاليات أن عامة الناس تنجذب إلى رأي المحيطين بهم، أو رأي نجومهم المفضلين سواء في الفن أو الرياضة، وتعتبره مقياسا للصواب، الأمر الذي يؤدي إلى تكوين رأي عام مزيف، حيث إنه ليس من الضروري أن يكون رأي الجماعة أو رأي نجوم المجتمع صوابا، فرأي كل فرد تتحكم فيه شخصيته وثقافته وخبراته وغير ذلك.

أيضا من الإشكاليات التي تخرج الرأي العام عن مساره الحقيقي، هو محاولة بعض الأفراد الذين يملكوا تأثيرا خاصا على باقي أفراد المجتمع، سواء من حيث طبيعة مكانتهم أو وظيفتهم، أو كونهم يمتلكون منبرا إعلاميا يؤثرون من خلاله في آراء الناس، وهم في حقيقة الأمر من محدودي الثقافة، أو لديهم أجندة خاصة تمثل مصالحهم الشخصية، أو مصالح دوائر أكبر يدورون هم في أفلاكها وينفذون أهدافها.

ومن أقوى الأمثلة الواقعية التي حدثت مؤخرا، تبني وترديد بعض وسائل الإعلام المختلفة لآراء معينة تعتنقها قلة مراهقة مهنيا، ليس لديها وعي ثقافي أو حس سياسي أو انتماء قومي، بعضها أكاذيب والأخرى أوهام، حتى الصادق منها تم تحريفه وتحويره، تضخيمه أو تهميشه، حسب المصلحة والهدف، مستخدمين لدعم آرائهم كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، ثم روجت هذه الخزعبلات على أنها رأي الأغلبية، الأمر الذي أدى إلى تأجيج مشاعر الغضب لدى عامة المتلقين، وما لبثت أن تحولت المشاعر الغاضبة إلى أعمال عنف وشغب وتحطيم وخراب، والأخطر من ذلك زرع الكره والحقد في نفوس البعض تجاه الآخرين.

هذا بعض ما حدث للشعبين الشقيقين المصري والجزائري من جراء تشكيل رأي عام مزيف حول مباراة كرة!!

حسبنا الله ونعم الوكيل.

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Most Voted
Newest Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x