فرق شاسع بين الأنثى في كافة أطوار حياتها، وبين الأنثى وهي في طور الزوجة الأم، فالبنت دائما ما تعيش حياتها قبل الزواج في كنف وعز والدها، وبين تدليل أمها، وكافة أفراد أسرتها، فلا مسؤولية تتحملها، ولا تعب ولا شقى، كل طلباتها مجابة، وكل أحلامها أوامر، إلا أن هذا الكائن المدلل المنعم يتحول بعد الزواج وإنجاب طفل وراء طفل إلى كائن معذب مقهور، كائن يحترق حتي يضئ للآخرين.
وبين ضغوط الحياة الشديدة وتوتراتها، ينبغي على هذه السيدة عندما تفتح عينيها يوميا أن تصنع لزوجها وأولادها الطعام، ثم تجهز هؤلاء الأولاد ليذهبوا إلى مدرستهم، تلبسهم ملابسهم وتجهز كتبهم وأدواتهم، وتظل واقفة أمام زوجها حتى يذهب الى عمله، ثم تبدأ بعد ذلك رحلة الشقاء في تنظيف البيت وترتيبه، ثم شراء وتجهيز طعام الغداء ليكون جاهزا في وقت رجوع الزوج والأولاد، مع الوضع في الاعتبار نوع وصنف الأكل الذي يحبه كل فرد من أفراد الأسرة، وبعد تناول الطعام وحرق الأعصاب الناتج عن طريقة أكل الأولاد وطلباتهم السخيفة، وفي الوقت الذي يبدأ الزوج والأولاد الراحة وغفوة الظهر تقوم الزوجة بتنظيف مكان الطعام وغسل الأواني، حتى إذا ما انتهت من عملها تقوم بإيقاظ الأولاد لتبدأ معهم رحلة شقاء جديدة لاستذكار دروسهم، وتتفاقم المشكلة كلما زاد عدد الأبناء، ويالها من رحلة طويلة تحرق الدم، وبعد ذلك تبدأ فترة معاناة العشاء الأخيرة قبل أن يخلدوا للنوم لاستقبال يوم جديد، غير أن يومها لم ينته بعد فالرجل مازال لديه طلبات سواء في عمله أو إذا كان طالب علم أو من هواة القراءة أو غير ذلك.
وما بين كل هذه الأحداث الكثيرة لا يخلو يوم الزوجة من أحداث لا تقل أهمية عن باقي الأحداث كمتابعة أهلها أو مرض أحد من أسرتها، أو أي شيء من الأحداث المفاجئة التي لا يخلو منه بيت، وتتطلب المزيد من الجهد والتعب، هذا إذا كانت الزوجة لا تعمل، أما إذا كانت الزوجة من الموظفات، فإن هذه المعاناة تتضاعف أكثر وأكثر.
وعلى الرغم من كل هذه المعاناة التي تعانيها الزوجة التي لا تمتلك خدماً في منزلها، فإنها لا تلاقي مقابل كل ذلك أي كلمة شكر أو حتي ابتسامة امتنان وعرفان، بل على العكس من ذلك، فالأولاد لا يقدرون ما يفعله الآباء لهم ولا يفهمونه إلا عندما يصبحون هم آباء، وهذه سنة الحياة، ولكن غير الطبيعي أن يقابل الزوج هذا الجهد والتفاني من زوجته بشكل غير لائق، فمن الأزواج من ينتقد زوجته في إدارتها لشؤون البيت في كل كبيرة وصغيرة، علما بأنه ترك لها المسؤولية الكاملة منذ البداية، فترى الزوج ينتقد الطعام الذي تعده، وتراه يؤنبها على أي تقصير أو سهو في أى شأن من شؤونه، وتراه يعاتبها على بكاء الأطفال وصراخهم، ولعبهم وعبثهم، وتراجع مستواهم الدراسي، وتراه لا يشكرها إذا هي أحسنت أو قامت بالعمل كما ينبغي، ولا يشجعها على حسن رعايتها ومتابعة دروس الأطفال، ولا يحسن لها إذا شرفته أمام أهله أو ضيوفه في استقبال أو وليمة، ويزيد الطين بلة أن بعض الأزواج يعايرون زوجاتهم على ماليس لهن قدرة عليه، كعدم الإنجاب مثلا، أو كإنجاب الإناث فقط أو العكس، أو كالذي ألقى بزوجته من شرفة البيت لأنها أنجبت له طفلة مريضة!!
مسكينة هي حقا هذه الزوجة التي ينطبق عليها هذا الكلام..