عندما تبحث عن رجل الأحداث في مصر – وفي معظم بلدان العالم الآن – ستجد إن وزير الصحة هو رجل المرحلة، ورجل المرحلة هنا لا تعني النجومية، ولكن بسبب العبء غير العادي الواقع على عاتقه هذه المرحلة، الدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة والمسؤول الأول عن صحة المصريين، قال أن الوضع في مصر مطمئن حتي الآن، فرغم اجتياح فيروس H1N1 العالم وارتفاع معدلات الإصابة به لمستويات عالية، لم تسجل مصر سوي 880 حالة فقط وحالتين وفاة، وبالتالي هذه الحالة تجعلنا لا نفكر في تأجيل الدراسة في مصر برغم توقعاته بظهور حالات إصابة مع بداية العام الدراسي، إلا أن الوزير أكد أن كل الخيارات مفتوحة أمام التأجيل أو إغلاق المدارس حسب ما تؤول إليه الأمور، وبناءا على خطط الوزارة، وحظر الجبلي شركات السياحة والمصريين الذين يستعدون للقيام بفريضة الحج التريث في تأكيد حجوزاتهم، حيث انهم لن يستطيعوا استرجاع موالهم في حالة عدم تمكنهم من السفر لأي سبب..
* يعيش العالم هذه الأيام حالة من الهلع والترقب مع دخول فصلي الخريف والشتاء، وهو ما يعني من منظور علمي زيادة نشاط فيروس أنفلونزا الخنازير، وخاصة مع بدء الفصل الدراسي، ومصر كبلد سياحي اقتصادي محوري مرتبط بكل الدول العربية والأجنبية، فما الاستعدادات المصرية للتعامل مع هذا الواقع المعقد، وما هي الإجراءات الاحترازية التي اتخذتموها فعليا، وما حقيقة الوضع في مصر بصفة عامة؟
** بالنسبة لنا في مصر، فان الاستعدادات للمرض بدأت منذ أن تم الإعلان عنه في ابريل الماضي، وكان هذا الاستعداد في الأساس مبني على خطة قومية أعددناها في الوزارة منذ نهاية 2006 وبداية 2007 عندما واجهتنا أنفلونزا الطيور، فقدمنا خطة قومية لمواجهة وبائيات الأنفلونزا بصفة عامة، وهذا أعطانا ميزة نسبية عن الدول المحيطة بنا، وبالتالي عندما تعرضنا للأزمة كانت أوضاعنا أفضل بكثير من الدول المحيطة، فلو قارنا بلد كالكويت أو السعودية بها عشر سكان مصر تقريبا، تجد السعودية فيها أكثر من 4 آلاف حالة، في حين ليس في مصر إلى الآن سوى 880 حالة “حتى الآن” شفي معظمها، وهذا لان العاملين في القطاع الصحي تمرنوا لمدة ثلاث سنوات على مواجهة أوبئة الأنفلونزا بصفة عامة.
صحيح أن هناك فرق بين أنفلونزا الطيور والخنازير، ففيروس H1N1 يعتبر أسرع فيروس في تاريخ البشرية من حيث الانتشار، فمعدل انتشاره أربع أضعاف انتشار الأنفلونزا العادية، وفي نفس الوقت فإن اغلب إصاباته للشباب فهو لا يصيب الكبار بشكل كبير، وفي نفس الوقت فإن الفيروس يهاجم الرئة على عكس باقي فيروسات الأنفلونزا، وبالتالي أصبح لدينا مشكلة في المدارس والجامعات والتجمعات بصفة عامة، وعلى ذلك بنينا خطة للتركيز على مكمن الخطر، ومكمن الخطر لدينا بشكل أساسي فيما قبل الدراسة وموسم العمرة والحج، وقد دعينا بشأن ذلك لاجتماع وزراء الصحة العرب الذي عقد بالقاهرة في 22 يوليو الماضي وأخذنا القرار بالإجماع بتحديد سفر من هم فوق 65 عاما وتحت سن الـ 12 ولما وجدنا أن الموقف في السعودية يستدعي إلى اخذ احتياطات وحذر اكبر رفعنا سن منع السفر لـ 25 سنة.
وقد بدأنا في مرحلة مبكرة جدا من الإعلان عن انتشار المرض في الكشف عن القادمين من الخارج بالماسحات الحرارية، إضافة إلى ذلك وبحكم ان الوزارة عمرها أكثر من 100 عاما فلدينا سياسة مستقرة لمواجهة الأوبئة، فبمقارنه مصر مع المكسيك على سبيل المثال نجد أن المكسيك لم يكن متوفر لديهم عقار “التامفلو” ولا معامل جاهزة للوبائيات، في حين أننا كان لدينا قبل بداية المرض 3 معامل وبائية، 2,5 مليون جرعة تامفلو، وصلت الآن إلى 5 مليون، فمصر كدولة استفادت من أنفلونزا الطيور التي حركت كل أجهزة الدولة وجعلت مستوى الاستعداد أعلى وبالتالي معدلات الإصابة اقل، وقد وفي الوقت الذي ينتهج فيه الجميع سياسة تخفيف الآثار، أقدمنا نحن على انتهاج سياسة الاحتواء، ومعنا الصين وسنغافورة وتايوان، وكانوا يتعجبون منا ومن موقفنا.
والحمد لله الأوضاع لدينا حتى الآن مستقرة بصفة عامة، وهناك تنسيق مستمر بين كافة الوزارات وأجهزة الدولة المعنية، صحيح أن ما سيحدث في الغد لا يمكن التبوء به الآن، لكن بشكل عام فان وضعنا أفضل من دول كثيرة.
مصر مستوطنة للأوبئة
* ولكن معالي الوزير، هل يمكننا القول أن هناك نوع من أنواع توطن الأمراض في مصر، كأنفلونزا الطيور وأنفلونزا الخنازير وغيرها؟ خاصة وأنه يوجد في مصر مركز للأمراض المتوطنة؟
** مطلقا، الحمد لله مصر ليست مستوطنة للأوبئة، فمشكلة أنفلونزا الطيور الرئيسية أننا لدينا أكثر من 3 أو 4 مليون منزل يربون الطيور، فلا تجد منزل في الريف إلا وتوجد به تربية الطيور، حتى أن هناك علاقة خاصة بين المصريين والطيور، وهو ما صعب المشكلة، فلو كانت القضية كمعظم الدول التي فيها مزارع لتربية الطيور، لكنا سيطرنا على المرض في أول 3 شهور، والدليل ان ارتباط المرض بالتربية المنزلية أدى إلي اكتشاف 58 حالة ليس منها إصابات مزارع سوى حالتين فقط تم شفائهم، كما إن غالبية الإصابات كانت من السيدات والأطفال، ذلك لان هذا جزء من الثقافة الخاصة بهم.
أما عن مركز الأمراض المتوطنة في مصر فهذه علامة حضارية، فكل بلد في العالم به هذا المركز، وقد يكون تحت مسمى مركز الأمراض الاستوائية، فهذه قضية لها علاقة بالصحة العامة، لان الأوبئة تضرب جميع الشعوب، فكل 100عام هناك 3 أوبئة على الأقل تصيب الشعوب في كل مكان، فالحمد لله نحن ليس لدينا أمراض متوطنة.
* إذن وماذا عن غيرها من الأمراض كفيروس سي مثلا؟
** فيروس سي حالة خاصة حيث أن هذا المرض له أسبابه الخارجة عن أرادتنا، فسببه أنهم في الـخمسينيات والستينيات كانوا يعالجون البلهارسيا بدواء الطرطير، وكان الوعي الصحي ضعيف جدا في هذا الوقت، فكانوا يستخدمون حقن زجاجية لحقن عدة مرضي، وبالتالي كان ينقل مرض لم نكن نعرفه أصلا، وقد أصاب هذا المرض حوالي 10 مليون مصري، حوالي 9,8% من السكان، لكن الشيء الجيد ان من اقل من 30 سنة معدل الإصابة وصل إلي اقل من 3%، وفوق الـ30 من 55 : 59 نسبة الإصابة 30% وليس لديك إلا علاج الآثار الجانبية، وقد أقدمنا على عمل برنامج لمواجهة المرض باستخدام الانترفيرون ونسبة نجاحه 60% وهذه نسبة جيدة، انما هذه المشكلة ستظل قائمة لدي لمدة 30 أو 40 سنة قادمة بعدها الأمر سينتهي تماما، وأمر كهذا لا يكون سبة في جبين أي دولة لكن الأهم أن تواجه هذا المرض، وأعتقد أننا في أنفلونزا الطيور قدمنا اداءا جيدا رغم الانتقادات الإعلامية، لأنه إذا كان لديك واقع لا يمكن التخلص منه وهو واقع تربية الطيور المنزلية وهو منذ 7 آلاف عام منحوت على جدران معابد الفراعنة ، لكن مع ذلك لدينا اقل معدل وفيات على مستوى الكرة الأرضية، فالمتوسط لدينا اقل من 50% من المتوسط العالمي فليس لدينا سوى 30% وفي أخر سنة وصل متوسط الوفيات إلى 11%، فلدينا 32 حالة وأربع وفيات.
* وما الذي يرجع إليه ذلك؟
** يرجع ذلك لسببين مهمين، أولها رفع الوعي بشكل كبير جدا، فقد عملنا مسح سكاني صحي على 99% من المواطنين على معرفة بأنفلونزا الطيور فالوعي كان له تأثير كبير، ثانيا ان لدينا الأطباء مدربون كان لهم دور كبير في تسهيل الكشف المبكر، المشكلة التي حدثت في H1N1 في المكسيك أنهم لم يكن لدرهم دراية بالموضوع وحدث استهتار بالحالات المبلغ عنها، لكن ما أفادنا هنا هو موضوع أنفلونزا الطيور التي حركت النظام على مدار 3 سنوات جعل الآليات أكثر مرونة، فمثلا عندما اخفق طبيب في المنصورة في تشخيص حالة السيدة الثانية التي توفيت، أغلق مدير المدرية العيادة وفصل الطبيب من الحميات وحولهم جميعا للتحقيق، فهناك آليه عمل لم أتتدخل فيها على الإطلاق، هذا بخلاف 2006.
خطة مرنة
* بالنسبة لاستعدادات استقبال العام الدراسي الجديد، علمنا أن هناك اجتماعات تمت على أعلى مستوي مع رئاسة الوزراء وزارة التربية والتعليم وعدد من الوزارات والأجهزة المصرية للتنسيق لبدء دخول الدراسة، في نفس الوقت نجد دولة كالإمارات والسعودية وغيرها اتجهت نحو تأجيل الدراسة رغم أن الوضع فيها قد يكون أفضل حالا من مصر من حيث عدد السكان والإمكانيات، فهل هناك خطة لوقف الدراسة في الوقت الحالي خاصة وان هناك هلعا شعبيا من انتشار المرض؟
** بالفعل نحن نستفيد من دروس الغير، لكننا أيضا لا نسير خلف القطيع، نحلل الأمور تحليلا موضوعيا، ونرى هل الأمر يستدعي أو لا، لذا فالخطة مرنة ولدينا القدرة على تنفيذها بشكل سريع وفعال، وخطتنا لا تقوم على تأجيل الدراسة، لكن إستراتيجيتنا تقوم على استغلال الحرارة المرتفعة الآن، والانطلاق بالدراسة بأسرع ما يمكن، مع متابعة الموقف يوميا، وبناءا على ما يحدث سنتخذ القرار.
ولكني مع ذلك أتوقع أن يظهر الفيروس في المدارس، لكن في بؤر غير متقاربة وبنسب قليلة، فإذا ظهرت في 5 أو 10 مدارس مثلا، فإن كل هذا لا يقلقني فنحن لدينا 27 ألف مدرسة، فظهورها في أقل من واحد من الألف منهم فلا يعني مشكلة، إنما لدينا معايير تحدد توجهاتنا، فيتم غلق الفصل أسبوعين إذا اكتشف فيه طفل واحد مريض، ووجود أكثر من طفل في أكثر من فصل تغلق المدرسة أسبوعين، أما على مستوى المحافظة أو المدينة أو الجمهورية فتحكمنا ثلاثة معايير الأولى حالات الالتهاب الرئوي المحجوزة من 5 إلى 10%، أو حالات الوفيات تكون من 1 إلى 2%، أو أن يتضاعف العدد بمتوالية هندسية في اقل من أسبوع فنعرف خلاله أن هناك معدل انتشار سريع لابد من التعامل معه، فهذه هي المعايير التي سنتعامل بها، وأود أن أشير إلى أن هناك إجراءات بسيطة تساعد بشكل كبير في عدم انتشار الفيروس، فلو أعطت كل أم ابنها قطعة قماش نظيفة لينظف بنفسه مقعده، هذا بالإضافة إلى استخدام الأقنعة سواء الطبية أو المصنوعة يدويا من القماش النظيف، كل ذلك يساعد بفاعلية في الحفاظ على صحة ابنها.
ولا يقتصر الأمر على الأم فقط بل يوجد دور كبير على عاتق إدارة المدرسة التي يجب أن تقوم بمراقبة التلاميذ ونظافتهم وكذلك نظافة المدرسة وخاصة الحمامات ومقابض الأبواب لأنها أكثر ناقلات الأمراض في المدارس، كما لا يجب أن نعتبر الأطفال مذنبين إذا ما أصيب احدهم بالمرض، وهذا ينطبق أيضا على مديري المدارس والمدرسين فلا يجب أن نعاقبهم ونعتبرهم مهملين إذا ما ظهرت في مدارسهم حالات إصابة بفيروس أنفلونزا الخنازير، لكن يجب محاسبتهم على التقصير عندما يقوموا بإخفاء الحقائق وعدم الإبلاغ عن حالات إصابة، وبخلاف هذا فان هناك تنسيق جيد مع القائمين على المرافق الحيوية مثل محطات المياه والمترو والباصات والسينمات، حيث من المهم مراقبة نظافة تلك المرافق والإشراف عليها لأنها تساعد في الحد من انتشار المرض.
* في إطار مخاوفكم من تفشي المرض مع بداية الدراسة، لماذا لا تقوم الوزارة بالتعاون مع وزارة التربية التعليم بتنفيذ خطط أخرى مثل تأجيل الدراسة والاعتماد على البرامج التعليمية والتليفزيونية والتعليم عن بعد؟
** كل الخيارات مفتوحة أمامنا، ولكن سيحدث هذا عندما تستدعي الأوضاع، لكن حتى الان الامور مطمئنة ولا حاجة لإحداث خلل في النظام العام، ففي العمرة كان قرار التأجيل لأن السعودية باتت مصدر للكثير من الإصابات التي جاءت إلى مصر، أما الآن لا يتطلب الموقف تأجيل الدراسة وتعطيلها، وقد درسنا بصورة متأنية ما حدث في نصف الكرة الجنوبي الفترة الماضية خاصة في أمريكا اللاتينية مثل شيلي وفي أفريقيا وجنوب أفريقيا وفي استراليا وكان هناك مراقبة دقيقة لما يجري هناك، وكانت النتيجة أن البلدان التي واجهة الموقف بحسم من البداية استطاعت درأ خطر الفيروس أما الدول التي أهملته فتعاني الآن مشكلات كبيرة.
* وماذا عن كثافة الفصول الدراسية وتأثيرها على انتشار الفيروس؟ وماذا عن كثافة المدرجات الجامعية في كليات مثل التجارة والحقوق؟
** في المدارس كان هناك اعتراض من جانب التربية والتعليم على تقسيم الدراسة على مدار الأسبوع ثلاثة أيام وثلاثة أيام لتخفيف كثافة الفصول، لكننا تمسكنا وأخبرناهم أن كثافة الفصول لا يجب أن تزيد عن 35 طالب مهما كانت الظروف، وفي النهاية التزموا وسيتم تطبيق هذا الأمر.
أما بالنسبة للجامعات فقد اتخذت بعض الخطوات لتخفيف الكثافة أيضا، مثل إلغاء حضور طلاب الانتساب نهائيا، ولن بسمح بحضور أكثر من 300 طالب للمحاضرة سواء في التجارة أو الآداب أو الحقوق وكذلك التربية.
وهناك احتمال أخر أن تتم الدراسة على مراحل فيبدأ الثانوي ثم الإعدادي بعده بعدة أيام وهكذا حتى لا نضغط على أجهزتنا والجهات المسئولة عن صحة التلاميذ، وهذا احتمال وارد وقيد الدراسة.
العلاج في المنزل
* سياسة العلاج في المنزل أثارت استهجان الكثيرين وانتقادهم لأنها قد تؤدي إلى نشر المرض بصورة أكبر؟
** كل دول العالم الآن تعالج في المنازل، ذلك لأن هذا الأسلوب يخفف الضغط عن الأجهزة الصحية والمستشفيات الأمر الذي يسمح لها بالتعامل مع الحالات الخطيرة والدقيقة والصعبة، فضلا عن أن المرض لا يحتاج حتى الآن إلى علاجات معقدة والتاميفلو فعال في مواجهته حتى المريض لا يسمح له بتناول التاميفلو، إلا إذا تدهور وضعه واستمرت الحرارة معه لأكثر من 3 أيام مع زيادة معدل التنفس والكحة المستمرة، لكن حتى الآن 99.9% ممن أصيبوا بالمرض في مصر تم علاجهم بالسوائل ومخفضات الحرارة وأدوية الأنفلونزا العادية، لأن أنفلونزا الخنازير ليست بمثل خطر أنفلونزا الطيور، التي إذا لم يحصل المريض بها على التاميفلو خلال أول يومين للإصابة يصبح وضعه خطير جدا.
* وماذا عن تحور فيروس إنفلونزا الطيور والخنازير معا؟
** هذا أمر خطير جدا ويقلقنا بشدة ويجعلنا نتعامل مع الوضع بحرص شديد، لكن حتى الآن لم تظهر مثل تلك الحالة في أي مكان، لكنه احتمال وارد الحدوث، لكن قضائنا على قطيع الخنازير كان عامل مهم جدا في نجاح المقاومة للمرض والحد من انتشار الفيروس لأنه الحيوان الوحيد الذي كان يمكن أن يحدث بداخله تحور المرض ويخرج فيروس ثالث يصيب البشر.
* هناك شكوك حول القضاء الكامل على قطيع الخنازير في مصر، فما مدى صحتها؟
** بكل تأكيد تم التعامل على القطيع الموجود في مصر بالكامل، لكننا في الواقع لم نطلب القضاء عليه وإبادته، بل طلبنا نقله إلى أماكن مأمونة وصحية بعيدة عن التجمعات السكنية نهاية 2009، كما إننا سنضطر لاتخاذ إجراءات إضافية قد يكون بعضها شديد وغير مألوف مثل إقامة مناطق معزولة سكنيا وغيرها من الإجراءات الأخرى.
* وما هي عدد الإصابات المتوقعة في حال تحور الفيروس؟ وهل سيكون التاميفلو فعالا في مواجهته؟
** لا يمكن لأحد التنبؤ بهذا الأمر الآن، ولا كيف سيكون الموقف مستقبلا، لأن الكثيرين لا يعلمون أن التحور يمكن أن يتم بطريقتين، الأولى أما أن يخرج لنا فيروس شديد الضراوة، أو يخرج لنا فيروس ضعيف جدا، لكن حتى الآن لم يحدث أي تحور المرض في أي مكان بالعالم، أما بالنسبة لمدى فاعلية التاميفلو فلا نستطيع التنبؤ بهذا المرض قبل معرفة طبيعة الفيروس الذي سنواجهه.
* وماذا عن الأماكن المزدحمة مثل السينمات والمسارح وملاعب كرة القدم وغيرها خاصة خلال الأعياد فهل هناك اتجاه لغلق السينمات ؟
** إلى الآن نحن لم نتخذ أي قرار بشأن إغلاقها، فنحن ندرس الموضوع بطريقة علمية ولن نتخذ قرار انفعالي، ولكننا اتخذنا اشتراطات صحية مشددة، وقد تساءل الكثيرون عن سر اهتمامنا الكبير بالعمرة في حين ليس هناك أي تصريحات حول السينمات والمباريات، فهذا الأمر لا يسري عليهم ففترة احتكاك الناس ليست كبيرة في حين أن الاهتمام والأزمة تأتي من فترات الاحتكاك الكبيرة كالحج والعمرة، وكذلك المدارس والجامعات، فالخطر يأتي من خلال التواجد في فترة من 6:8 ساعات.
تكلفة العلاج
* وماذا حول العلاج وتكلفته، فهناك حالة من الغموض حول طريقة العلاج وتكلفته؟
** العلاج بسيط جدا، كعلاج أي أنفلونزا، ولا يمكن أن يظهر أي فرق بين هذه الأنفلونزا والعادية إلا من خلال اخذ عينة مسحية من الحلق.
أما التكلفة فالمسحات المعملية مكلفة، فالمسحة الواحدة تبلغ قيمتها ألف جنية تتحملها الدولة بالكامل.
* وماذا عن التامفلو والكمية التي أخذها المرضى خلال الفترة الماضية؟
** في البداية كنا نعطي كل الحالات، لكننا الآن لا نعطي سوى 10% من الحالات والنتيجة هي حالتي وفاة فقط ليس لإجراءاتنا أي علاقة بهم، الأولى جاءت من السعودية حالتها متأخرة، والثانية انتقلت العدوى من زوجها العائد من الخارج، وكان الخطأ في تشخيص الطبيب.
* خطأ التشخيص هذا يدعونا أن نتحدث عن الكفاءة الخاصة بالأطباء، وتوعيتهم بحقيقة المرض؟
** الوزارة قدمت للأطباء في الحضر والمناطق النائية دورات مكثفة ومستمرة منذ عدة شهور، تشمل التشخيص وكيفية التعامل مع أجهزة التنفس الصناعي، كما إنها مرة كل شهرين.
* بالنسبة للقادمين من العمرة خلال الأيام القادمة هل سيتم عزلهم للوقوف على حالاتهم؟
** إلى الآن لا، فالموقف لا يتطلب هذا الإجراء الجماعي، لكن لو تطلب الأمر ذلك فسوف نقوم به فورا.
* ماذا عن الاستعدادات لفريضة الحج وهل تؤيد فكرة تأجيل الحج؟
** إذا طعمنا الحجاج ضد الفيروس فلن يكون هناك تأجيل، لكن الطعم إلى الآن لم يصل، ونحن متعاقدين على استيراد 5 مليون طعم ستصل الدفعة الأولى في شهر أكتوبر وهي 80 ألف من طعم الفاكسيل، فإذا لم يصل فسنكون متشددين جدا تجاه السفر، كما أن السعودية اشترطت على القادمين إلى أراضيها الحصول على طعم الأنفلونزا الموسمية و H1N1.
* إذن يمكن إلغاء الحج هذا العام؟ وما الحالات التي يمكن معها إلغاء السفر؟
** بكل تأكيد، ولن يلغى فقط بسبب عدم وصول الفاكسيل، لكن لو تفاقم الوضع في السعودية أو لو شعرنا انتشار المرض في العالم بشكل وبائي، وقتها سيكون سفر المواطنين خطر كبير، ليس إلى الحج فقط ولكن إلى دول العالم بشكل عام، أيضا إذا وجدنا أن المرض انتشر في السعودية وهناك ضغطا على النظام الصحي هناك وأصبح غير قادر على استيعاب الحالات.
* تكلمت عن أن الوضع العالمي قد يجعلنا نمنع سفر مواطنينا إلى أي مكان، فهل يمكن للأوضاع أن تتأزم بشكل يمكننا أن نغلق الموانئ مع الدول الخارجية؟
** هذا حسب الحالة فهناك اللوائح الصحية الدولية وقد وقعنا عليها في 2005 والتي تعطي كل دولة الحق في عمل ذلك إذا رأت ذلك، لكن منظمة الصحة العالمية لا تحبذ هذا.
* حذرت شركات السياحة بخصوص تأكيدات حجوزات الحج، فماذا عن المواطنين والتحذيرات بشأن ذلك؟
** حذرنا المتقدمين للحج هذا العام أن الأموال التي سيدفعونها قد لا يستطيعوا استردادها في حال عدم تمكنهم من السفر لأي سبب من الأسباب، وإنهم عليهم أن يقدموا إقرارا بذلك.
* وكيف ذلك يا معالي الوزير، كيف لا يمكن استرداد الأموال الخاصة بهم؟
** هذه الإجراءات ليست مصرية، لكن الجانب السعودي أخبرنا بأنهم لن يستطيعوا إرجاع مقدمات الحجوزات، وحاليا جاري التباحث مع الجانب السعودي لإرجاع أموال العمرة لمن تم إلغاء سفرهم، لكننا لم نصل لاتفاق حتى الآن، وقد وصلت مقدمات الحج إلى 100 مليون ريال طبقا لوزارة السياحة، ولذلك فإننا نطالب المواطنين بالتأني في موضوع الحج هذا العام.
العلاقات المصرية القطرية
* بعيدا عن الأنفلونزا.. ماذا عن العلاقات المصرية القطرية في مجالات التعاون الصحي؟
** هناك تعاون كبير بيننا وبين الجانب القطري في التنسيق بشأن موضوع فيروس الأنفلونزا، كما أن هناك تعاون كبير في مجالات تبادل المعلومات والخبرات، وقد عرضنا تقديم خبرتنا في مجالات التدريب أو إعارة الأطباء، أيضا هناك مباحثات لفتح السوق القطرية لمزيد من الأدوية المصرية.
وقد زرت قطر خلال مايو الماضي، وزرت مستشفى حمد، وسعدت كثيرا بالمستوي المهني المتقدم والإمكانيات الهائلة، كما سعدت بعدد ومستوي المصريين العاملين هناك، أيضا زرت جامعة كورنيل الطبية والمستشفي الجديد التابع لها الجامعة، شيء مشرف للغاية، وفخرا لكل قطري وعربي، فعلاقاتنا مع قطر في مجال الصحة طيبة جدا وهناك تعاون مستمر.
* وهل هناك اتفاقيات تمت خلال الزيارة؟
** اتفقنا مع وزيرة الصحة السابقة الدكتورة غالية بنت محمد آل ثاني أن نعززهم بالأطباء والممرضين، وكان هناك اهتمام أيضا بالأدوية وكثير من أهل قطر خاصة الجيل الكبير معتادة على الأدوية المصرية منذ الستينيات، لكن الآن إجراءات تسجيل الدواء اختلفت بشكل كبير في قطر، وكنا نحاول إيجاد مرحلة انتقالية حتى تخضع هذه الأدوية لهذه القواعد لان هناك طلب على الأدوية المصرية بشكل كبير من القطريين.
* وما تعليقك على مستوى الصحة العامة في قطر؟
** مستوى الصحة العامة في قطر جيد جدا، ونسبة الإنفاق على المجالات المختلفة ممتاز، فقد زرت قطر منذ حوالي 30 سنة، تم كانت هذه هي الزيارة الثانية، فوجدتها تغيرت تغيرا جذريا، حتى إنني لم أعرفها، فقد ظهرت نهضة عمرانية شاملة، كما شملت النهضة معظم قطاعات الدولة، أما أهم ما لمسته هناك هو أهل قطر الذين يتمتعون بالطيبة، فهم شعب ودود، يتعاملون ببساطة ورقي كبيرين.
* هل يمكن الحديث عن تسعيرة موحدة للدواء العربي، في ظل تباين كبير بين سعر الدواء في مصر وبعض الدول؟
** قدم وزراء الصحة العرب إجراء لأرخصد تسجيل الدواء، وطبعا التسجيل مرتبط بالتسعير، لكني أعتقد نتيجة التباين الاقتصادي والاجتماعي بين الدول العربية لن يتحقق على الأقل في عصرنا، لكن ربما يتحقق في المستقبل، لكن يظل الدواء المصري ارخص من غيره لأننا ندعمه والمستورد يشترط الآن أن يكون السعر مطابق لسعر الدولة المنتجة ونحن رفضنا طبعا ذلك، فنحن كوزارة صحة رفضنا ذلك لأني أقدم الدعم للمواطن المصري وليس غيره، وقد وصلنا مع المملكة السعودية إلى اتفاق ورفعنا أسعار بعض الأدوية المصرية في السعودية، وهذا لم يتم في قطر إلى الآن.
كيان عربي موحد
* هل يمكن أن يخرج إلى النور كيان عربي موحد لإنتاج الدواء؟
** الإنتاج عمليه تعتمد على الإمكانيات الاقتصادية لكل دولة، والبلدين المؤهلين لإنتاج دواء بكميات كبيرة هما مصر والأردن، وبعض الدول عندها محاولات مبشرة، لكن تظل مصر صاحبة الريادة في هذا المجال، فمصر عرفت صناعة الدواء منذ 1930، وبها آلاف الخريجين من كليات الصيدلة، والعمالة لازالت رخيصة، كما أننا في مصر غيرنا تماما قواعد التسعير والتخزين والتسجيل، كان الدواء يستغرق 5 سنوات للتسجيل ولم يكن هناك شفافية وكان التسجيل يتم بدون قواعد منظمة، الآن الدواء يسجل في مدة أقصاها 9 شهور يمكن اختزاله إلي 4 شهور، كل الإجراءات تتم على الانترنت بكل شفافية، والتسعير بيتم بقواعد محددة.
* كان هناك حديث عن مصنع دواء بتمويل عربي مشترك، هل هناك أي خطوات في هذا الطريق؟
** حتى الآن لا وجود لهذه الفكرة، ولكن مصر مفتوحة أمام جميع المستثمرين وهناك شركتين سعوديتين تقدمت للعمل في هذا المجال، كما أن هناك شركة أردنية اشترت مصنعا مصريا، ونحن نرحب بأي استثمارات عربية في ظل جو استثمار مشجع تحرص الدولة علي توفيره.
* وهل هناك اتجاه لصناعة مصل مصري خاص بأنفلونزا الطيور والخنازير؟
** هناك دراسات جادة لتصنيع هذه الأمصال في مصر، وقد ترأست مؤخرا اجتماعا موسعا لهذا الشأن، وان شاء الله هناك نتائج مبشرة للوصول إلى إنتاج النقطة الأساسية للأمصال قبل أن يتحول لمنتج، فيحصل على المرحلة التي على أساسها يحدث توالد مئات الملايين من الأمصال، لكن للأسف حتى الآن ليس لدينا مصنعا لإنتاج هذا المصل، وإنشاء المصنع يستغرق سنة ونصف، ولذا فبعد أن الانتهاء من إنتاج أساس المصل سيتم اختيار بلد وننتج لدى الغير، حتى ينتهي إنشاء المصنع، ووقتها تستطيع مصر ان تصدير تلك الأمصال إلى كافة دول العالم.
* أخيرا نريد أن نعرف معالي الوزير ما هو الجديد بالنسبة لوزارة الصحة المصرية؟
** حاليا نجهز قانون التأمين الصحي لعرضه على مجلس الوزراء المصري قريبا، تمهيدا لتقديمه لمجلس الشعب واعتماده في بداية الدورة البرلمانية نظرا لاهتمام القيادة السياسية بتطبيق نظام التأمين الصحي الجديد في أقرب وقت.
* هل لنا أن نتعرف على أهم ملامح المشروع الجديد؟
** أهم ملامح قانون التأمين الصحي هو ان الاشتراك بنسبة من الدخل الإجمالي، يحصل المواطن على العلاج بثلث ثمن الدواء، وبالنسبة للمعاشات سيكون هناك سقف بحيث لا تتعدى الأدوية 20% مثلا من المعاش مهما كانت الأدوية، هذا فضلا عن صندوق للكوارث الصحية والتي تستهلك 40% من دخل الشعب، وذلك لإجراء العمليات الكبيرة والمعقدة وزراعة الأعضاء والقلب، وتتحمل الدولة علاج محدودي الدخل والبالغ عددهم من 16 إلى 20 مليون وسيكون النظام الجديد إجباري للقطاع العام والخاص، وسيكون للجميع الحق في الاشتراك حتى لو كان بالخارج طالما انه يسدد الاشتراك.
* شاركت في إجراء الحوار: الزميلة أ. ولاء عبد الله.